باكورة شهداء الحرب على غزة.. إمام مسجد وعريس ورضيع

أحدهم تمنى الشهادة، وآخر كان يستعد لحفل زفافه ثاني أيام عيد الفطر، ورضيع لم ير من الدنيا شيئا بعد.. شهداء غزة بقصف إسرائيلي لا يفرّق

الجنازات تتوالى في غزة في اليوم الواحد لتشييع الشهداء الذين يسقطون واحدا تلو الآخر خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل (الأوروبية)

لم يطل انتظار الإمام العشريني إبراهيم الشنباري إجابة دعائه بأن يرزقه الله الشهادة في سبيله، وقد ألح به كثيرا وهو يؤم المصلين في صلاة التراويح، فارتقى شهيدا في طريق عودته من المسجد إلى منزله الواقع في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة.

طلب الشهادة وسلك طريقها

على غير عادته، سلك الشنباري طريقا غير معتاد من مسجد "الشهيد صلاح شحادة" متجها إلى منزله، فاستهدفته وعددا من المصلين العائدين من المسجد غارة جوية إسرائيلية.

استشهد الإمام العشريني على الفور، وأصيب أكثر من 40 آخرين بينهم أعمامه وأقاربه، كانوا على مقربة من بعضهم في محيط دائرة قطرها حوالي 80 مترا، بحسب والده وشهود عيان.

كان الشنباري معتكفا في المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان، يؤم المصلين ويقوم بهم الليل، فهو طالب الشريعة الحافظ لكتاب الله ومحفّظه لأطفال منطقته.

انتشرت له صورة على مواقع التواصل الاجتماعي بينما كان يقوم -قبيل ساعات من استشهاده- بتوزيع الهدايا التشجيعية على الأطفال الملتزمين بحلقات تحفيظ القرآن الكريم في المسجد.

يقول والده أحمد الشنباري (أبو النمر) للجزيرة نت، إن ابنه إبراهيم هو الرابع بين أولاده الثمانية، وأكثرهم تدينا، وأرفعهم أخلاقا، وكان ودودا بارا.

وأضاف "لم أتذكر يوما أنه رفع صوته في وجودي، كان متعلقا بالآخرة متخففا من الدنيا، يراعي أوضاعي الاقتصادية، ولا يثقل عليّ بكثير من المتطلبات، ويتدبر أمره بالقليل".

حمل أبو النمر جثمان نجله إلى مقبرة البلدة، وقد عمل بوصيته أن يكون قبره بسيطا مغطى بالرمل فقط دون أي شواهد تزينه.

عريس في الجنة

"لم يكتب لأحمد أن يكون عريسا في الدنيا.. هو الآن عريس في الجنة"، قال والد الشهيد أحمد المصري الذي كان يستعد لحفل زفافه ثاني أيام عيد الفطر.

وارتقى أحمد (21 عاما) وأخته رهف (10 أعوام) وابن شقيقه الطفل يزن (عام ونصف العام) و7 آخرون -جلهم من أقاربه- شهداء، في أول غارة شنتها إسرائيل قبل موعد الإفطار بنصف ساعة، استهلت بها حربها الدموية على غزة يوم الاثنين الماضي.

وكان أبو عطا الله المصري يتهيأ لزفاف نجله أحمد، إلا أن القدر اختاره شهيدا، يقول للجزيرة نت، "لقد لحق بأمه التي استشهدت في غارة إسرائيلية خلال الحرب الأولى على غزة عام 2018".

وأسرة المصري اعتادت أن يكون لها نصيب مؤلم من الجرائم الإسرائيلية في غزة، فقد تعرض منزلها لدمار كلي خلال حرب عام 2014.

مزقت غارة جوية إسرائيلية جسد أحمد وآخرين، بينما كانوا منهمكين في تجهيز محصول القمح لبيعه لتاجر شاركهم الموت، واختلطت دماؤهم وأشلاؤهم بالقمح المتناثر.

وقال أبو عطا الله بصوت جاء عبر الهاتف خافتا يغلب عليه الحزن، "لقد مزق الصاروخ قلبي بقتل أحمد واغتال فرحتنا".

رحل أحمد من دون أن يرتدي بدلة الزفاف، وخلّفت رهف ملابس العيد وراءها معلقة لم تفرح بارتدائها، ورافقهما يزن شهيدا رضيعا.

المصدر : الجزيرة