أكاديمية سريلانكية تكتب: "شيطنة المسلمين إستراتيجية سياسية" في البلاد

عدم قدرة الحكومة الحالية على حشد جمهورها حول أي شيء آخر غير العداء العرقي والديني يُعد بمثابة إرث لسياسات ما بعد الاستقلال في سريلانكا التي يبدو أنها ستستمر على المدى الطويل

بعد اعتراضات.. سريلانكا تسمح للمسلمين بدفن المتوفين بكورونا
بعد اعتراضات وجدل واسع سمحت سريلانكا للمسلمين بدفن المتوفين بكورونا (وكالة الأناضول)

لقد أصبح التحريض على العداء العرقي والديني وسيلة أفراد من النخبة السياسية في سريلانكا لضمان بقائهم.

وفي تقريرها الذي نشره موقع الجزيرة الإنجليزية، قالت الكاتبة فرزانة حنيفة -رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة كولومبو السريلانكية- إن وزير الأمن العام في سريلانكا ساراث ويراسيكارا أعلن في 13 مارس/آذار الماضي أن الحكومة ستحظر ارتداء البرقع وستغلق أكثر من ألف مدرسة إسلامية بالبلاد. وفي هذا الصدد، قال الوزير إن "البرقع" يعد دليلا على التطرف الديني وله تأثير مباشر على الأمن القومي.

وأضافت الكاتبة أنه وقع تداول هذه الأخبار دوليا، وتمخضت عنها عدة تصريحات من قبل منظمات حقوق الإنسان، والمقرِّر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد أحمد شهيد، بالإضافة إلى سفير باكستان في سريلانكا. وبعد مرور 3 أيام، تراجعت الحكومة عن بيان ويراسيكارا، حيث أعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء كيهيليا رامبوكويلا أن القرار "يتطلب وقتا" وتشاورا.

وأشارت الكاتبة إلى أن قرار حظر البرقع تسبب في إثارة ضجة بين المسلمين الذين اعتبروه هجوما آخر على مجتمعهم. وفي الأشهر القليلة الماضية، اتخذت الحكومة عددا من الإجراءات المثيرة للجدل تحت شعار مكافحة التطرف، وقد أدت هذه الإجراءات -بشكل متزايد- إلى ترهيب السكان المسلمين وتجاهل مبادئ سيادة القانون.

 الحركة المعادية للمسلمين

منذ استقلال سريلانكا عن بريطانيا في سنة 1948، شهدت البلاد علاقات مضطربة بين الأغلبية البوذية السنهالية التي تشكل حوالي 70% من السكان، وأقلية التاميل الهندوسية والمسيحية والتي تمثل حوالي 12%. وخلال الحرب التي اندلعت بين القوات العسكرية ونمور التاميل كانت الأقليات الأخرى -مثل المسلمين الذين يشكلون حوالي 9% من السكان- أقل استهدافًا من قبل الجماعات السنهالية القومية المتطرفة.

بعد نهاية الحرب الأهلية في عام 2009، بدأت حركة مناهضة للمسلمين -أطلقتها جماعة "بودو بالا سينا" بقيادة الراهب "جلابود أثثي غناناسارا"- في الظهور. ويقود رهبان بوذيون مجموعة "بودو بالا سينا"، حيث احتشدوا حول ما وصفوه بالتهديد الذي تشكله "الانفصالية الاجتماعية" من "المسلمين المتطرفين". في المقابل، يبدو أن تعريفهم للتطرف يشمل أغلب ممارسات المسلمين اليومية.

وأدت التجمعات الجماهيرية الكبيرة التي نظمتها "بودو بالا سينا" وحملاتهم الصارمة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إلى تطبيع خطاب الكراهية والمضايقات اليومية للمسلمين في جميع أنحاء البلاد. كما أدى تحريض "بودو بالا سينا" على غرس المشاعر المعادية للمسلمين -خلال سنوات ما بعد الحرب- إلى هجمات عنيفة ضد المجتمعات المسلمة الصغيرة في عام 2014 و2017 و2018، وبالإضافة إلى ذلك، تحالفت جماعة "بودو" مع جماعات مماثلة في ميانمار. وفي أعقاب هذه الحوادث، لم تتخذ السلطات المحلية إجراءات جادة ضد "بودو بالا سينا" وغيرها من الجماعات المماثلة، وألقت في بعض الحالات باللوم على المسلمين فيما يخص أعمال العنف.

في عام 2019، تنامت الكراهية ضد المسلمين بشكل أكبر بعد أن فجر 8 انتحاريين تعهدوا بالولاء لتنظيم الدولة أنفسهم في كنائس وفنادق وأماكن أخرى بجميع أنحاء البلاد في عيد الفصح، وكان هناك دليل على عدم متابعة المؤسسة الأمنية للمعلومات الاستخباراتية المتوفرة إلى جانب إهمال القيادة السياسية، ومع ذلك استهدفت التغطية الإعلامية للحدث ومناقشة سياسة الحكومة بأعقاب ذلك -في المقام الأول- السكان المسلمين في البلاد.

وذكرت الكاتبة أن رد الحكومة على الهجوم تمثّل في تبني اللغة المعادية للمسلمين لـ"بودو بالا سينا" وبدء عمليات اعتقال واسعة النطاق لأتباع المجموعة المسؤولة عن التفجيرات المشتبه بهم. وفي أعقاب هجمات عيد الفصح أنشأت لجنة برلمانية للرقابة القطاعية على الأمن الوطني لوضع مقترحات لتدابير منع الإرهاب، وقدمت توصيات في 14 مجالا، يحدّ الكثير منها من الحقوق الدينية للأقلية المسلمة. وبغض النظر عما سبق، سعت الحكومة إلى طرق أخرى لترهيب مسلمي البلاد. وعندما انتشرت جائحة كورونا بسريلانكا في ربيع 2020، فرضت الدولة سياسة إلزامية لإحراق جثث المصابين بكورونا، ورفضت السماح للمسلمين بدفن موتاهم، وفقا لشعائر دينهم.

وتمت كتابة دعوة المسلمين لخيار الدفن على أسس دينية، وتُحدث عنها على أنها "قبلية" و"متخلفة" وسلوك بغيض في وسط حالة طوارئ صحية عامة. وعلى الرغم من الإدانات في الداخل والخارج والإرشادات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية التي تؤكد سلامة الدفن؛ حافظت الحكومة على موقفها لمدة سنة تقريبا. ولم يُسمح بالدفن إلا مؤخرا تحت ضغط دولي.

شيطنة المسلمين إستراتيجية سياسية

لطالما شيطنت النخب السياسية في سريلانكا الأقليات وحرّضت على العداء العرقي والديني للفوز بالانتخابات. وبعد انتهاء الحرب في عام 2009 مجّدت الحكومة الانتصار على نمور التاميل، وهو ما أدى إلى تعزيز العداء بقوة متجددة ضد جميع الأقليات الأخرى، وخاصة المسلمين.

وكانت عائلة راجاباكساس -التي هيمنت على المشهد السياسي في سريلانكا منذ عام 2005- متواطئة في هذا العداء حتى هزيمتها الانتخابية في انتخابات 2015. وخلال حملته السياسية بعد عام 2015 اتخذ حزب راجاباكسا الجديد -الذي حمل اسم "سريلانكا بودوجانا بيرامونا"- موقف السنهالية المتعصب، حيث استوعب الرهبان النشطاء وأتباع الحركة المناهضة للمسلمين.

وبينت الكاتبة أنه باستخدام الخطاب المناهض للأقليات والمؤيد للأمن في حملته الانتخابية؛ فاز راجاباكسا في الانتخابات الرئاسية بنسبة عالية من أصوات البوذيين السنهاليين وعيّن شقيقه ماهيندا -الرئيس السابق- رئيسا للوزراء. ومنذ ذلك الحين -وفي كل فرصة- كرر الرئيس التزامه تجاه هذه الأغلبية، وحدّد إجراءاته لمكافحة "التطرف الإسلامي"، بالإضافة إلى مُضيّ الحكومة قدما في السياسات المعادية للمسلمين.

في هذا السياق، لا تعمل الموجة الأخيرة من نشاط الحكومة المناهض للمسلمين -بما في ذلك حظر البرقع- فقط على التخفيف من تداعيات التحول في الموقف بشأن مدافن كورونا، وإنما أيضا لتشتيت الانتباه عن الإخفاقات المستمرة لإدارة راجاباكسا. ويُواجه مجلس وزراء البلاد الغضب بسبب عملية احتيال ضريبية واسعة النطاق، ومعارضة متزايدة بسبب سماح الحكومة بإزالة الغابات، وتزايد القلق العام بشأن الانكماش الاقتصادي. ومن المحتمل أن تزداد الأنشطة المعادية للمسلمين إذا استمرت شعبية الحكومة في الانخفاض.

في المقابل، قد تأتي سياسات الحكومة المعادية للمسلمين بنتائج عكسية، ففي مارس/آذار الماضي عانت من هزيمة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي أصدر قرارا يخول مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بجمع وحفظ المعلومات والأدلة عن الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية، وتمت الموافقة على الاقتراح بشكل رئيسي بسبب فقدان الدعم للحكومة من بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة التي امتنعت عن التصويت، وتضمّن القرار إشارة إلى معاملة الحكومة للمسلمين خلال جائحة كورونا والتهميش المستمر للأقليات.

وتضيف الكاتبة أن عدم قدرة الحكومة الحالية على حشد جمهورها حول أي شيء آخر غير العداء العرقي والديني يُعدُّ بمثابة إرث لسياسات ما بعد الاستقلال في سريلانكا التي يبدو أنها ستستمر على المدى الطويل. ولا تزال التوقعات المستقبلية للأقليات في البلاد غامضة، فبعد 10 سنوات من الحرب المدمرة، يُظهر النظام السياسي في سريلانكا القليل من الأدلة على التعلم من الماضي.

المصدر : الجزيرة